نحن لم نعرف حتى الآن من هو الأديب أو الصحفى أو السياسى الذى كان يكتب خطابات الملك فاروق؟، وبالتأكيد سيظل من ضمن الأسرار العليا اسم كاتب خطابات المشير وبيانات المجلس العسكرى، خاصة البيان رقم ٦٩ الأخير الذى اتهم حركة ٦ أبريل بالوقيعة بين الجيش والشعب، وجاء بعدها عضو المجلس العسكرى ليؤكد هذا الاتهام ويشير الى أدلة موجودة لديه تدين هذه الحركة التى تلقى بعض أعضائها تدريباتهم فى صربيا بدليل شعار اليد المقلوبة!!، ومادمنا فى زمن الشفافية وسيادة القانون فلابد أن تعلن هذه الأدلة على الملأ بدلاً من اتهامات التخوين الشفوية وتهديدات الأيادى المقلوبة. وأعتقد أن أول من نادى بإعلان هذه الأدلة هم شباب الحركة أنفسهم، إذن لابد أن نتحدث بالأوراق والأدلة والبراهين حتى نثبت أننا قد دخلنا بالفعل عصراً جديداً. هل هو مجرد فضول أن أعرف من هو كاتب الخطابات والبيانات منذ الملك فاروق حتى الآن؟، لا أنه ليس فضولاً صحفياً فقط، بل إنه وهذا هو الأهم قراءة لكف وعقل من يختار الكاتب الذى يطلب منه أحياناً أداء دور فقيه السلطان، وأحياناً دور ترزى الأفكار، وأحياناً مضحك الملك، وأحياناً كاتم السر، وأحياناً مخطط المؤامرة، وفى أحيان نادرة جداً يتبرع هو من تلقاء نفسه بلعب دور الناصح الأمين أو المعترض الهامس وهذا يكون غالباً سر الإطاحة به. الأسماء التى تداولت، على أنها هى التى كتبت خطابات الرؤساء، ظلت دائماً فى دائرة التخمينات، ولم يخرج طيلة هذه المدة، منذ ٥٢ حتى الآن، أى تصريح رسمى من رئاسة الجمهورية باسم كاتب خطابات الرئيس. كانت أقوى التخمينات والظنون التى وصلت الى حد الحقيقة الدامغة هى أن الأستاذ هيكل هو كاتب خطابات الرئيس عبدالناصر بما فيه خطاب التنحى، بل إنه تخطى دور كتابة الخطابات إلى دور كتابة الميثاق نفسه الذى لخص فكر الثورة، وقد اتهمه البعض حينذاك بأنه كان يقصى ويزيح أى صحفى كبير يقترب من مخ وعقل وقلب ناصر حتى ينفرد باللعب فى دماغ الزعيم ليصبح الصحفى الأوحد. جاء الرئيس السادات وبدأ معه هيكل المسيرة فى السنوات الأولى ونال نفس الحظوة التى نالها فى الحقبة الناصرية، وعين وزيراً للإعلام إلى أن حدث الشقاق والفراق بعد أكتوبر، فقفز الصحفى والصديق الساداتى ورفيق السجن موسى صبرى إلى المقدمة وصار هو كاتب خطابات السادات المقرب والمحبب، ويقال إن الأستاذ أحمد بهاء الدين قد كتب بعض الخطابات القليلة للسادات فى بداية حكمه، وأيضاً قيل إن الأستاذ أنيس منصور قد صاغ بعض الخطابات أيضاً. فى عصر مبارك زاد الأمر غموضاً وتفرق حبر مطابع الخطابات بين قبائل كثيرة من الصحفيين والمفكرين، فمن ضمن الأسماء التى قيل إنها كتبت خطابات مبارك الأساتذة أنيس منصور ومكرم محمد أحمد وسمير رجب وأسامة الباز، وكانت خطابات المناسبات الدينية من نصيب د. أحمد عمر هاشم، كما تناقل الرواة، ولكن السؤال المهم هو: هل من يكتب خطاب الرئيس مجرد منفذ للعناوين التى يضعها الرئيس له فى الورقة الصغيرة التى يسلمها له زكريا عزمى، أم هو الذى يضع العناوين ويصوغ الأفكار؟، ومن الذى كتب خطاباته الأخيرة أثناء ثورة يناير وعلى قناة العربية؟، يقال إن خطاب ما قبل التنحى وموقعة الجمل كتبه أنس الفقى وجمال مبارك وأنا أشك فى ذلك لضعفهما الشديد فى اللغة العربية، ومن المؤكد أن هناك من قام بالصياغة النهائية من أحد الصحفيين أو المحامين. خطابات الرئيس ليست مجرد ألفاظ رنانة، ولكنها أفكار وقرارات مؤثرة، سيحاسب عليها الرئيس وأيضاً من كتب للرئيس.